العُودُ "الكَنْزُ الأَسْوَدُ" النَّادِر


العُود أغلى بخور في العالم



   عُرِف "العود" عبر التاريخ بأنه أجود وأغلى أنواع البخور في العالم؛ إذ يبلغ ثمن "العود" الأصلي أكثر من 100 ألف دولار للكيلوغرام الواحد، ويُعْرَفُ "العود" بحضوره القوي في المناسبات، والحفلات، وبالخصوص في الأعياد التي لها صبغة دينية لدى المجتمعات العربية، وقد اعْتُبِر رفيقا للإنسان العربي في كل لحظات وأحداث حياته، في الولادة، والحب، والزواج، والوفاة؛ فالرائحة الطيبة مُلَازِمَة للبيت العربي؛ سواء وقت الفرح أو استقبال الضيوف والترحيب بهم،  أو حتى في أوقات الحزن؛ فالطِّيبُ، وعلى رأسه "بخور العود" مُحَبَّبٌ إلى العرب نِسَاءً ورِجَالاً، ولا يمكن أن يستغنوا عنه في كل مراحل حياتهم.

بخور العود الفاخر


   تُعَدُّ دول الخليج العربي الأكثر اتِّجارا واستعمالا لبخور العود ومشتقاته؛ كدهن العود، وزيت العود، وعلى رأس هذه الدول: "المملكة العربية السعودية"، و"الإمارات العربية المتحدة"، و"قطر"، و"البحرين"، و"الكويت"، و"عمان"، وذلك حِفاظا على ثقافة ورثوها من الأجداد والأسلاف، ولِمَا لِلطِّيبِ من مكانة في الثقافة العربية.

   ونُشِير إلى أن "المملكة العربية السعودية" ولوحدها تُنْفِقُ ملايير الدولارات كل سنة لاقتناء "العود"؛ قصد توفيره لتبخير وتعطير الحرمين الشريفين؛ وذلك تشريفا وتعظيما لهَذيْن المَكَانَيْن ولقُدْسِيَّتِهِما، وتعبيرا عن قِمَّة الاهتمام بِهِمَا، ولارتباط البخور والرائحة الطيبة في الثقافة العربية الإسلامية بماهو ديني ومُقدَّس.


   ويزيد الإقبال على بخور "العود" في شهر رمضان؛ لأنه يُستَعمَل في إحياء الطقوس الدينية الرمضانية، وتعطير المساجد بالرائحة الطيبة، وتَعرِف تجارته خلال هذا الشهر رواجا مُنْقَطِع النَّظير، ويُحقِّق تُجَّارُه خلال تلك الفترة أربحا تُقَدَّر بآلاف الدولارات.

 بُخُورُ العُودِ، رَفِيقُ الإِنْسَانِ العَرَبِيِّ فِي كُلِّ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ، فِي الوِلَادَةِ، وَالحُبِّ، وَالزَّوَاجِ، وَالوَفَاةِ.


   وقد بلغ اهتمام الخليجيين بالعود مَبْلَغا عظيما، حتى خَصَّهُ الدكتور "حسن الرفاعي" بِبَحْثِ دكتوراه حول ما يسميه "الرفاعي" ب "الكنز الأسود"، وهو بحث أخذ منه وقتا طويلا؛ إذ دفعه شغفه بالبحث عن تاريخ العود وكل ما يتعلق به، إلى الدخول في مخاطر كثيرة في غابات جنوب شرق آسيا المليئة ب"الأفاعي"، و"الحشرات المضرة"، و"الغوريلا"، إضافة إلى خطر التِّيه في تلك الغابات الشاسعة المساحة، والتي يحتاج فيها الإنسان دائما إلى مرشد، ودليل خبير بتلك المساحات، ومخطرها الجَمّةِ، لكن "الرفاعي" نجح في مهمته وأنجز بحثه، والذي يُعَدُّ الأول في هذا المجال، والذي استغرق في إنجازه ما يقارب عشرين سنة، وقد أزاح الستار عن الكثير من خبايا عَالَم "العود" الغامض.

ماهو مصدر العود الأصلي؟


   تختلف قيمة الأشجار باختلاف فوائدها وما تنتجه؛ فشجرة "النخيل" مثلا تنتج "التمر"، ولكنه متواجد بكثرة؛ مما يجعل ثمنه رخيصا؛ لتواجده بكثرة في الأسواق، لكن لو أخذنا الحديث عن شجرة "العود"؛ فسنجدها أكثر قيمة لدى التُّجار؛ نظرا لسعر "رقائق العود" المستخرجة منها.

   ويبلغ ارتفاع "أشجار العود" مابين عشرين وثلاثين مترا، ويهدد الانقراض هذا النوع من الأشجار؛ بسبب الإقبال الكبير عليها، وشجع تجار العود؛ باعتبارها تجارة مربحة ماديا؛ خصوصا في الخليج.


ارتفاع أشجار العود يبلغ 30 مترا


    وتُعْتبَر "آسيا" هي المصدر المعروف عبر التاريخ للأشجار التي يستخرج منها العود، ويمتد تواجد تلك الأشجار من "الهند" مرورا إلى جنوب شرق آسيا وجنوب الصين، خصوصا "كمبوديا" و"فيتنام" و"لاوس"، و"سنغافورة"، و"إندونيسيا"، و"ماليزيا"، و"تايلاند"، ومن أجود أنواع "العود"، هو ما يُسَمَّى ب"العود الكمبودي"، والذي يتم إنتاجه في "كمبوديا"، إضافة إلى "العود الماليزي" و"الإندونيسي"، لكن أجودها على الإطلاق، هو "العُود السِّيرِيلَانْكِي"، ويوجد في غابات "كَالَافَانَا".


كيف يَتَكَوَّنُ وكيف يتم استخراجه؟


كيف يَتَكَوَّن "العود"؟

   من عجائب "العود"، أنه يتكون في جذوع أشجار كبيرة بسبب نوع من الطفيليات، ويتكون عن طريقة عملية تَعَفُّن داخل الجذوع بسبب مادة دهنية تفرزها الشجرة لمقاومة تلك الفطريات، وبذلك تَتَسَوَّسُ بعض المناطق في جذوع الشجرة، وتنتج تلك البقع البنية اللون، والمائلة إلى السواد، وهي التي يتم نحتها بدقة لتباع كرقائق "عود فاخر". وتَخْتَلِف تلك الرقائق في رائحتها وجودتها تَبَعَا لنوعية الشجرة الأم التي نُزِعَ منها؛ فإن كانت هذه الأخيرة ممتازة من ناحية ما أفرزته من مواد؛ فيكون عودها ممتازا وفاخرا بطبعه، وعكس ذلك بالنسبة للعود الأقل جودة؛ فهو من شجرة أقل جودة أيضا. 

طريقة استخراجه:

   تمر عملية استخراج رقائق "العود" الفاخرة والفريدة من نوعها عبر مراحل عديدة، نذكرها على الشكل التالي:

  1. يتم تحديد الأشجار المُعَمِّرَة، والتي يعرف خبراء الغابات في "آسيا" أنها مصابة بالتَّعَفُّن الداخلي، وقد تَكَوَّن "العود" داخلها؛
  2. تُقطَّع الشجرة إلى أطراف، وتُرسَل إلى المعمل لتُقطَّع إلى أجزاء صغيرة بواسطة آلات كهربائية أو يدوية، لتعزل المناطق التي أصابها السوس؛
  3. تذهب الأطراف التي أصابها التَّسَوُّسُ إلى النَّحَّاتِ، والذي ينحتها بدقة وخبرة يدوية؛ ليستخرج منها "رقائق العود الفاخرة"، وكلما كانت رقيقة، وخالية من النقط البيضاء، كانت أجود وأفخر.


  أما بقايا العود؛ فَيَتِمُّ تنظيفها لكي تُستخدَم في استخلاص "دهن العود"؛ وذلك بالاعتماد على إفرازات أخرى بسيطة تفرزها "شجرة العود" الكبيرة، وذلك بعد الطَّحْنِ والتَّعْتِيقِ والتَّقْطِير.


الغش وسوق البخور


   إن أعظم وأكبر مشكلة تواجهها سوق البخور في زمننا الحالي، هي ظاهر الغش؛ فالكثير من أنواع البخور المعروضة في الأسواق والمتاجر، هي مغشوشة، وتسبب عند استنشاق دخانها حساسية، وقد يتطور الأمر إلى التَّسَبُّبِ في حالات الربو؛ نظرا لاستنشاق مواد ضارة وسامة تُحْدِثُ اضطرابات في الجهاز التنفسي، وهي المواد الصناعية التي صُنِع منها "العود" المغشوش؛ لأن المادة الأساسية التي يحتوي عليها العود الأصلي، وهي جوهره ولُبُّهُ، وتسمى "السِّيسْكْيتْرِبِينْسْ" استعصى إنتاجها بطريقة صناعية، ويصعب صنعها.

    كما يتم لصق العود المُكَسَّر بمادة تسمى "سُوبِر غْلُو" لكي يُصبِح أكبر حجما؛ إذ إن قطعة العود الكبيرة تكون أغلي من القطع الصغيرة، وهذه المادة اللَّاصقة عندما تتحول إلى دخان، أثناء تبخير العود، تضر بالجهاز التنفسي، وتكون لها مضاعفات كالحساسية و"مرض الربو".

كيف نعرف العود الأصلي؟


   يَحْتَار الكثير من الناس عند رغبتهم في شراء بخور "العود"؛ إذ يخافون من أن يتعرضوا للغش، ويشتروا عودا مغشوشا،؛ لأن سوق البخور عرفت في السنوات الأخير ظاهرة الغش بكثرة؛ لذلك سنقدم لكم بعض مميزات وخصائص العود الأصلي، لتساعدكم على تمييز الحقيقي من المزيف.

   يُمكن أن نعتمد على بعض المعايير لمعرفة العود الأصلي من المغشوش، وهي كالتالي:

  • الأصلي له ظاهر وباطن؛ فظاهره يميل إلى السواد، وذو طبيعة ذهنية، أما باطنه فيميل إلى اللون البني القاتم، وهو ليس ذو طبيعة ذهنية؛
  • دُخَّان الأصلي منه يميل إلى اللون الأزرق، ولا يُسبب حساسية للعين؛
  • خُذ منديلا أبيضا، وامسح به قطعة العود؛ فإذا خرج منه لون بني بكثرة؛ فاعلم أنه مغشوش ومدهون، أما إن كان اللون البني الذي خرج منه ولصق بالمنديل قليلا، ولا يخرج منه إذا كررت المسح؛ فاعلم أنه غبار أصلي فقط، وهذا العيار الذي يَعرِف به خبراء العود المغشوش من الأصلي؛
  • كُلَّما كان وزن العود أكبر، كلما كانت جودته أحسن.


نصيحة معشبتي


نَنصحكم عند شراء "العود" بأن لا تشتروا العود الصناعي والرخيص؛ تجنبا لأمراض الجهاز التنفسي التي تسببها أدخنة العود الصناعي المغشوش.



تعليقات